فصل: فصـــل في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى‏}‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


/  فصــــل

والأمر بتسبيحه يقتضي ـ أيضًا ـ تنزيهه عن كل عيب وسوء وإثبات صفات الكمال له، فإن التسبيح يقتضي التنزيه والتعظيم، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها‏.‏ فيقتضي ذلك تنزيهه، وتحميده، وتكبيره، وتوحيده‏.‏

قال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، ثنا ابن نفيل الحرانى، ثنا النضر بن عربي، قال‏:‏ سأل رجل ميمون بن مهران ‏[‏هو أبو أيوب ميمون بن مهران الرقى، فقيه من القضاة، كان مولى لامرأة بالكوفة وأعتقته، فنشأ فيها ثم استوطن الرقة من بلاد الجزيرة الفراتية، فكان عالم الجزيرة وسيدها، واستعمله عمر بن عبد العزيز على خراجها وقضائها، وكان ثقة في الحديث كثير العبادة، توفي عام 711هـ‏]‏ عن ‏(‏سبحان الله‏)‏‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏اسم يعظم الله به ويحاشى به من السوء‏)‏‏.‏

وقال‏:‏ حدثنا أبو سعيد الأَشَجّ، ثنا حفص بن غِياث، عن حجاج عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن ابن عباس قال‏:‏ ‏[‏سبحان‏]‏، قال‏:‏ تنزيه الله نفسه من السوء‏.‏ وعن الضحاك عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 1‏]‏، قال‏:‏ عجب‏.‏ وعن أبي الأشهب، عن الحسن قال‏:‏ ‏[‏سبحان‏]‏‏:‏ اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه‏.‏

وقد جاء عن غير واحد من السلف مثل قول ابن عباس‏:‏ أنه / تنزيه نفسه من السوء‏.‏ وروي في ذلك حديث مرسل‏.‏ وهو يقتضي تنزيه نفسه من فعل السيئات، كما يقتضي تنزيهه عن الصفات المذمومة‏.‏

ونفي النقائص يقتضي ثبوت صفات الكمال، وفيها التعظيم كما قال ميمون بن مِهْران‏:‏ ‏(‏اسم يعظم الله به ويحاشى به من السوء‏)‏‏.‏ وروى عبد بن حميد‏:‏ حدثنا أبو نعيم، ثنا سفيان، عن عثمان بن عبد الله بن مَوْهَب، عن موسى بن طلحة قال‏:‏ سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن التسبيح، فقال‏:‏ ‏(‏إنزاهه عن السوء‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ حدثنا الضحاك بن مَخْلدَ، عن شبيب عن عكرمة، عن ابن عباس‏:‏ سبحان الله، قال‏:‏ تنزيهه‏.‏

حدثنا كثير بن هشام، ثنا جعفر بن بُرْقان، ثنا يزيد بن الأصم قال‏:‏ جاء رجل إلى ابن عباس فقال‏:‏ لا إله إلا الله، نعرفهــا أنه لا إله غيــره، والحمد لله، نعرفها أن النعم كلها منه وهو المحمود عليها، والله أكبر، نعرفها أنه لا شيء أكبر منه، فما سـبحان الله‏؟‏ فقال ابن عباس‏:‏ وما ينكر منها‏؟‏ هي كلمة رضيها الله لنفسه، وأمر بها ملائكته، وفزع إليها الأخيار من خلقه‏.‏

/  فصــل

قوله‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 2، 3‏]‏‏.‏ العطف يقتضي اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فيما ذكر وأن بينهما مغايرة إما في الذات وإما في الصفات‏.‏

وهو في الذات كثير، كقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 17‏]‏‏.‏

وأما في الصفات فمثل هذه الآية‏.‏فإن الذي خلق فسوى هو الذي قدر فهدى، لكن هذا الاسم والصفة ليس هو ذاك الاسم والصفة،ومثله قوله‏:‏‏{‏هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏3‏]‏،ومثله قوله‏:‏‏{‏الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ‏}‏ إلى قوله‏:‏‏{‏والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏3، 4‏]‏،وقوله‏:‏‏{‏لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏162‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏1 ـ 3‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ‏}‏ الآيات ‏[‏المعارج‏:‏22 ـ 24‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ الآيات ‏[‏الأحزاب‏:‏ 35‏]‏، فإنه من صدق وصبر ولم يسلم ولم يؤمن لم يكن ممن أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا‏.‏

وكثيرًا ما تأتى الصفات بلا عطف، كقوله‏:‏ ‏{‏هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 23‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ‏}‏ ‏[‏الناس‏:‏ 1 ـ 3‏]‏‏.‏

وقد تجيء خبرًا بعد خبر، كقوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ‏}‏ ‏[‏البروج‏:‏ 14ـ 16‏]‏‏.‏ ولو كان ‏[‏فعال‏]‏ صفة، لكان معرفًا، بل هو خبر بعد خبر‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 3‏]‏، خبر بعد خبر، لكن بالعطف بكل من الصفات‏.‏

وأخبار المبتدأ قد تجيء بعطف وبغير عطف‏.‏ وإذا ذكر بالعطف كان كل اسم مستقلا بالذكر، وبلا عطف يكون الثاني من تمام الأول بمعنى‏.‏ ومع العطف لا تكون الصفات إلا للمدح والثناء، أو للمدح، وأما بلا عطف فهو في النكرات للتمييز، وفي المعارف قد يكون للتوضيح‏.‏

/ و‏{‏الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 2 - 4‏]‏، وُصِفَ بكل صفة من هذه الصفات، ومُدِح بها، وأُثْنِىَ عليه بها‏.‏ وكانت كل صفة من هذه الصفات مستوجبة لذلك‏.‏

 فصــل

قال تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 2‏]‏، فأطلق الخلق والتسوية ولم يخص بذلك الإنسان، كما أطلق قوله بعد ‏{‏وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 3‏]‏ لم يقيده‏.‏ فكان هذا المطلق لا يمنع شموله لشيء من المخلوقات‏.‏ وقد بين موسى ـ عليه السلام ـ شموله في قوله‏:‏ ‏{‏رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 50‏]‏‏.‏

وقد ذكر المقيد بالإنسان في قوله‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ‏}‏ ‏[‏الانفطار‏:‏ 6، 7‏]‏‏.‏

وقد ذكر المطلق والمقيد في أول ما نزل من القرآن، وهو قوله‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ‏}‏ ‏[‏العلق‏:‏ 1 - 5‏]‏‏.‏

وفي جميـع هـذه الآيات ـ مطلقها ومقيدها والجامع بين المطلق والمقيد ـ قـد ذكر خلقه، وذكر هدايته وتعليمه بعد الخلق، كما قال في هذه السورة‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 2، 3‏]‏ ‏.‏ / لأن جميع المخلوقات خلقت لغاية مقصودة بها، فلابد أن تهدى إلى تلك الغاية التي خلقت لها‏.‏ فلا تتم مصلحتها وما أريدت له إلا بهدايتها لغاياتها‏.‏

وهذا مما يبين أن الله خلق الأشياء لحكمة وغاية تصل إليها، كما قال ذلك السلف وجمهور المسلمين وجمهور العقلاء‏.‏

وقالت طائفة ـ كجهم وأتباعه‏:‏ إنه لم يخلق شيئًا لشيء، ووافقه أبو الحسن الأشعرى ومن اتبعه من الفقهاء ـ أتباع الأئمة‏.‏ وهم يثبتون أنه مريد، وينكرون أن تكون له حكمة يريدها‏.‏

وطائفة من المتفلسفة يثبتون عنايته وحكمته، وينكــرون إرادتــه‏.‏ وكلاهمــا تناقض‏.‏ وقد بُسِطَ الكلام على فســاد قول هؤلاء في غير هذا الموضــع، وأن منتهاهم جحد الحقائق‏.‏

فإن هذا يقول‏:‏ لو كان له حكمة يفعل لأجلها لكان يجب أن يريد الحكمة وينتفع بها، وهو منزه عن ذلك‏.‏ وذاك يقول‏:‏ لو كان له إرادة لكان يفعل لجر منفعة؛ فإن الإرادة لا تعقل إلا كذلك‏.‏ وأرسطو وأتباعه يقولون‏:‏ لو فعل شيئًا لكان الفعل لغرض، وهو منزه عن ذلك‏.‏

/ فيقال لهؤلاء‏:‏ هذه الحوادث المشهودة، ألهـا محــدث أم لا‏؟‏ فــإن قالــوا‏:‏ لا، فهو غاية المكابرة‏.‏ وإذا جوزوا حدوث الحوادث بلا محدث فتجويزهـا بمحـدث لا إرادة له أولى‏.‏

وإن قالوا‏:‏ لها محدث، ثبت الفاعل‏.‏ وإذا ثبت الخالق المحدث فإما أن يفعل بإرادة أو بغير إرادة‏.‏ فإن قالوا‏:‏ يفعل بغير إرادة كان ذلك أيضًا مكابرة‏.‏ فإن كل حركة في العالم إنما صدرت عن إرادة‏.‏

فإن الحركات إما طبعية، وإما قَسْريَّة،وإما إرادية؛ لأن مبدأ الحركة إما أن يكون من المتحرك، أو من سبب خارج‏.‏ وما كان منها فإما أن يكون مع الشعور، أو بدون الشعور‏.‏ فما كان سببه من خارج فهو القسرى، وما كان سببه منها بلا شعور فهو الطبعي، وما كان مع الشعور فهو الإرادى‏.‏ فالقسري تابع للقاسر، والذي يتحرك بطبعه، كالماء والهواء والأرض، هو ساكن في مركزه، لكن إذا خرج عن مركزه قسرًا طلب العودة إلى مركزه، فأصل حركته القسر‏.‏ولم تبق حركة أصلية إلا الإرادية‏.‏ فكل حركة في العالم فهي عن إرادة‏.‏

فكيف تكون جميع الحوادث والحركات بلا إرادة‏؟‏

وأيضًا، فإذا جوزوا أن تحدث الحوادث العظيمة عن فاعل غير مريد فجواز ذلك عن فاعل مريد أولى‏.‏

/ وإذا ثبت أنه مريد قيل‏:‏ إما أن يكون أرادها لحكمة،وإما أن يكون أرادها لغير حكمة‏.‏ فإن قالوا لغير حكمة، كان مكابرة‏.‏ فإن الإرادة لا تعقل إلا إذا كان المريد قد فعل لحكمة يقصدها بالفعل‏.‏

وأيضًا، فإذا جوزوا أن يكون فاعلًا مريدًا بلا حكمة فَكَوْنُه فاعلًا مريدًا لحكمة أولى بالجواز‏.‏

وأما قولهم‏:‏ هذا لا يعقل إلا في حق من ينتفع، وذلك يوجب الحاجة، والله منزه عن ذلك‏.‏ فـإن أرادوا أنه يوجب احتياجه إلى غيره أو شيء من مخلوقاته فهو ممنوع وباطل، فإن كل مـا سواه محتاج إليه من كل وجه‏.‏وهو الصمد الغنى عن كل ما سواه وكل ما سواه محتاج إليه،وهو القيوم القائم بنفسه المقيم لكل ما سواه‏.‏ فكيف يكون محتاجًا إلى غيره‏؟‏

وإن أرادوا أنه تحصل له بالخلق حكمة هي أيضًا حاصلة بمشيئته فهذا لا محذور فيه، بل هو الحق‏.‏

وإذا قالوا‏:‏ الحكمة هي اللذة، قيل‏:‏ لفظ ‏[‏اللذة‏]‏ لم يرد به الشرع، وهو موهم ومجمل‏.‏ لكن جاء الشرع بأنه ‏[‏يحب‏]‏ ، و ‏[‏يرضى‏]‏ /، و‏[‏يفرح بتوبة التائبين‏]‏، ونحو ذلك‏.‏ فإذا أريد ما دل عليه الشرع والعقل فهو حق‏.‏

وإن قالوا‏:‏ الحكمة إما أن تراد لنفسها أو لحكمة، قيل‏:‏ المرادات نوعان ما يراد لنفسه، وما يراد لغيره‏.‏ وقد يكون الشيء غاية وحكمة بالنسبة إلى مخلوق وهو مخلوق لحكمة أخرى‏.‏ فلابد أن ينتهي الأمر إلى حكمة يريدها الفاعل لذاتها‏.‏

والمعتزلة ـ ومن وافقهم، كابن عقيل وغيره ـ تثبت حكمة لا تعود إلى ذاته‏.‏ وأما السلف؛ فإنهم يثبتون حكمة تعود إلىه، كما قد بين في غير هذا الموضع‏.‏

والمقصود هنا ذكر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏2، 3‏]‏ والتسوية‏:‏ جعل الشيئين سواء، كما قال‏:‏ ‏{‏وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 19‏]‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 64‏]‏، و ‏{‏سَوَاء‏}‏ وسط؛ لأنه معتدل بين الجوانب‏.‏

وذلك أنه لابد في الخلق والأمر من العدل‏.‏ فلابد من التسوية بين المتماثلين، فإذا فضل أحدهما فسد المصنوع، كما في مصنوعات العباد إذا بنوا بنيانًا فلابد من التسوية بين الحيطان، إذ لو رفع حائط على / حائط رفعًا كثيرًا فسد‏.‏ ولابد من التسوية بين جذوع السقف، فلو كان بعض الجذوع قصيرًا عن الغاية وبعضها فوق الغاية فسد‏.‏ وكذلك إذا بنى صف فوق صف لابد من التسوية بين الصفوف، وكذلك الدرج المبنية‏.‏ وكذلك إذا صنع لسقي الماء جداول ومساكب فلابد من العدل والتسوية فيها‏.‏ وكذلك إذا صنعت ملابس للآدميين فلابد من أن تكون مقدرة على أبدانهم لا تزيد ولا تنقص‏.‏ وكذلك ما يصنع من الطعام لابد أن تكون أخلاطـه على وجه الاعتدال، والنار التي تطبخه كذلك‏.‏ وكذلك السفن المصنوعة‏.‏

ولهذا قال الله لداود‏:‏ ‏{‏وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ‏}‏ ‏[‏سبأ‏:‏ 11‏]‏، أي‏:‏ لا تدق المسمار فيقلق، ولا تغلظه فيفصم، واجعله بقدر‏.‏

فإذا كان هذا في مصنوعات العباد ـ وهي جزء من مصنوعات الرب ـ فكيف بمخلوقاته العظيمة التي لا صنع فيها للعباد، كخلق الإنسان وسائر البهائم، وخلق النبات، وخلق السموات والأرض والملائكة‏.‏

فالفلك الذي خَلَقه وجعله مستديرًا ما له من فروج، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسًِا وَهُوَ حَسِيرٌ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 3، 4‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 7‏]‏، وقال‏:‏ / ‏{‏أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 6‏]‏‏.‏

فهو ـ سبحانه ـ سواها كما سوى الشمس والقمر وغير ذلك من المخلوقات، فعدل بين أجزائها‏.‏ ولو كان أحد جانبى السماء داخلًا أو خارجًا لكان فيها فروج، وهي الفتوق والشقوق، ولم يكن سواها، كمن بنى قبة ولم يسوها‏.‏ وكذلك لو جعل أحد جانبيها أطول أو أنقص، ونحو ذلك‏.‏

فالعدل والتسوية لازم لجميع المخلوقات والمصنوعات‏.‏ فمتى لم تصنع بالعدل والتسوية بين المتماثلين وقع فيها الفساد‏.‏

وهو ـ سبحانه ـ ‏{‏الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 2‏]‏‏.‏ قال أبو العالية ـ في قوله‏:‏ ‏{‏خَلَقَ فَسَوَّى‏}‏ ـ قال‏:‏ سوى خلقهن وهذا كما قـال تعالى‏:‏ ‏{‏فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 12‏]‏‏.‏

 فصـــل

ثم إذا خلق المخلوق فسوى، فإن لم يهده إلى تمام الحكمة التي خلق لها فسد‏.‏ فلابد أن يهدى بعد ذلك إلى ما خلق له‏.‏

/ وتلك الغاية لابد أن تكون معلومة للخالق‏.‏ فإن العلة الغائية هي أول في العلم والإرادة، وهي آخر في الوجود والحصول‏.‏

ولهذا كان الخالق لابد أن يعلم ما خلق‏.‏ فإنه قد أراده، وأراد الغاية التي خلقه لها، والإرادة مستلزمة للعلم‏.‏ فيمتنع أن يريد الحى ما لا شعور له به‏.‏

والصانع إذا أراد أن يصنع شيئًا فقد عَلِمه وأراده، وقدر في نفسه ما يصنعه، والغاية التي ينتهي إليها، وما الذي يوصله إلى تلك الغاية‏.‏

والله ـ سبحانه ـ قدر وكتب مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء‏)‏‏.‏

وفي البخارى عن عمران بن حُصَيْن، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض‏)‏، وفي رواية‏:‏ ‏(‏ثم خلق السموات والأرض‏)‏‏.‏

/ فقد قدر ـ سبحانه ـ ما يريد أن يخلقه من هذا العالم حين كان عرشه على الماء إلى يوم القيامة، كما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏أول ما خلق الله القلم، فقال‏:‏ اكتب‏.‏ فقال‏:‏ ما أكتب‏؟‏ فقال‏:‏ اكتب ما يكون إلى يوم القيامة‏)‏‏.‏

وأحاديث تقديره ـ سبحانه ـ وكتابته لما يريد أن يخلقه كثيرة جدًا‏.‏

روى ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه ســئل عن قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏ 49‏]‏، فقال‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ إن الله قدر المقادير بقدرته ودبر الأمور بحكمته، وعلم ما العباد صائرون إليه، وما هو خالق وكائن من خلقه، فخلق الله لذلك جنة ونارًا، فجعل الجنة لأوليائه وعرفهم وأحبهم وتولاهم ووفقهم وعصمهم، وترك أهل النار استحوذ عليهم إبليس وأضلهم وأزلهم‏.‏

فخلق لكل شيء ما يشاكله في خلقه ـ ما يصلحه من رزقه في بر أو في بحر ـ فجعل للبعير خلقًا لا يصلح شيء من خلقه على غيره من الدواب‏.‏ وكذلك كل دابة خلق الله له منها ما يشاكلها في خلقها، فخلقه مؤتلف لما خلقه له غير مختلف‏.‏

قال ابن أبي حاتم‏:‏ ثنا أبي، ثنا يحيى بن زكريا بن مِهْرَان القزاز ، / نا حبان بن عبيد الله قال‏:‏ سألت الضحاك عن هذه الآية ‏{‏إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏ 49‏]‏، قال الضحاك‏:‏ قال ابن عباس، فذكره‏.‏

وقال‏:‏ حدثنا أبو سعيد الأشَجّ، ثنا طلحة بن سِنان، عن عاصم عن الحسن قال‏:‏ من كذب بالقدر فقد كذب بالحق‏.‏ خلق الله خلقًا، وأجل أجلًا، وقدر رزقًا، وقدر مصيبة، وقدر بلاء، وقدر عافية‏.‏ فمن كفر بالقدر فقد كفر بالقرآن‏.‏

وقال‏:‏ حدثنا الحسن بن عرفة، ثنا مروان بن شُجاع الجزرى، عن عبد الملك بن جُرَيْح، عن عطاء بن أبي رباح قال‏:‏ أتيت ابن عباس وهو ينزع من زمزم وقد ابتلت أسافل ثيابه، فقلت له‏:‏ قد تكلم في القدر‏.‏ فقال‏:‏ أو قد فعلوها‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم‏:‏ ‏{‏ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏ 48، 49‏]‏ أولئك شرار هذه الأمة، فلا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم‏.‏ إن رأيت أحدًا منهم فقأت عينيه بأصبعى هاتين‏.‏

وقال أيضًا‏:‏ حدثنا على بن الحســين بن الجنيــد، حدثنــا ســهل الخيــاط، ثنا أبو صالح الحُدَّانى، نا حبان بن عبيد الله قال‏:‏ سألت / الضحاك عن قوله‏:‏ ‏{‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 22‏]‏‏.‏ قال‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ إن الله خلق العرش فاستوى عليه، ثم خلق القلم فأمره ليجــرى بإذنه ـ وعظم القلم كقدر ما بين السماء والأرض ـ فقال القلم‏:‏ بما يارب أجرى‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏بما أنا خالق وكائن في خلقى ‏.‏ من قَطْر أو نبات أو نفس أو أثر ـ يعنى به العمل ـ أو رزق أو أجل‏)‏‏.‏ فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة‏.‏ فأثبته الله في الكتاب المكنون عنده تحت العرش‏.‏

 فصـــل

فقوله ـ سبحانه ـ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 3‏]‏، يتضمن أنه قَدَّر ما سيكون للمخلوقات، وهداها إليه‏.‏ علم ما يحتاج إليه الناس والدواب من الرزق، فخلق ذلك الرزق وسواه، وخلق الحيوان وسواه وهداه إلى ذلك الرزق‏.‏ وهدى غيره من الأحياء أن يسوق إليه ذلك الرزق‏.‏

وخلق الأرض، وقَدَّر حاجتها إلى المطر، وقَدَّر السحاب وما يحمله من المطر‏.‏ وخلق ملائكة هداهم ليسوقوا ذلك السحاب إلى تلك الأرض / فيمطر المطر الذي قدره‏.‏ وقَدَّر ما نبت بها من الرزق، وقَدَّر حاجة العباد إلى ذلك الرزق‏.‏ وهداهم إلى ذلك الرزق، وهدى من يسوق ذلك الرزق إليهم‏.‏

وقد ذكر المفسرون أنواعًا من تقديره وهدايته‏:‏ فروى ابن جرير، وابن أبي حاتم، وغيرهما، بالإسناد الثابت عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏قَدَّرَ فَهَدَى‏}‏ ، قال‏:‏ الإنسان للشقاوة والسعادة، وهدى الأنعام لمراتعها‏.‏

وكذلك رواه عبد بن حميد في تفسيره، قال‏:‏ هدى الإنسان للسعادة والشقاوة، وهدى الأنعام لمراتعها‏.‏

وقال‏:‏ حدثنا يونس، عن شيبان عن قتادة‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى‏}‏ ، قال‏:‏ لا والله‏!‏ ما أكره الله عبدًا على معصية قط ولا على ضلالة، ولا رضيها له ولا أمره، ولكن رضى لكم الطاعة فأمركم بها، ونهاكم عن معصيته‏.‏

قلت‏:‏ قتادة ذكر هذا عند هذه الآية ليبين أن الله قدر ما قدره من السعادة والشقاوة، كما قال الحسن وقتادة، وغيرهما من أئمة المسلمين، فإنهم لم يكونوا متنازعين‏.‏ فما سبق من سبق تقدير الله، وإنما كان نزاع بعضهم في الإرادة وخلق الأفعال ‏.‏

/ وإنما نازع في التقدير السابق والكتاب أولئك الذين تبرأ منهم الصحابة كابن عمر، وابن عباس، وغيرهما‏.‏

وذكر قتادة أن الله لم يكره أحدًا على معصية‏.‏ وهذا صحيح، فإن أهل السنة المثبتين للقدر متفقون على أن الله لا يكره أحدًا على معصية كما يكره الوالى والقاضى وغيرهما للمخلوق على خلاف مراده ـ يكرهونه بالعقوبة والوعيد‏.‏ بل هو سبحانه يخلق إرادة العبد للعمل وقدرته وعمله، وهو خالق كل شيء‏.‏

وهذا الذي قاله قتادة قد يظن فيه أنه من قول القَدَريَّة، وأنه لسبب مثل هذا اتهم قتادة بالقدر، حتى قيل‏:‏ إن مالكا كره لمعمر أن يروى عنه التفسير لكونه اتهم بالقدر‏.‏

وهذا القول حق، ولم يعرف أحد من السلف قال‏:‏ إن الله أكره أحدًا على معصية‏.‏

بل أبلغ من ذلك أن لفظ ‏[‏الجبر‏]‏ منعوا من إطلاقه، كالأوزاعى ‏.‏ والثورى، والزبيدى، وعبد الرحمن بن مهدى، وأحمد بن حنبل، وغيرهم‏.‏ نهوا عن أن يقال‏:‏ إن الله جبر العباد، وقالوا‏:‏ إن هذا بدعة في الشرع، وهو مفهم للمعنى الفاسد‏.‏

/ قال الأوزاعى وغيره‏:‏ إن السُّنَّة جاءت بـ‏[‏جبل‏]‏، ولم تأت بـ‏[‏جبر‏]‏، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس‏:‏ ‏(‏إن فيك لخُلقُين يحبهما الله، الحلم والأناة‏)‏‏.‏ فقال‏:‏ أخلقين تَخَلَّقتُ بهما أم خلقين جُبِلْتُ عليهما‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بل خلقين جبلت عليهما‏)‏‏.‏ قال‏:‏ الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله‏.‏

وقال الزُبَيْدي وغيره‏:‏ إنما يجبر العاجز ـ يعنى الجبر الذي هو بمعنى الإكراه ـ كما تجبر المرأة على النكاح، والله أجل وأعظم من أن يجبر أحدًا يعنى أنه يخلق إرادة العبد فلا يحتاج إلى إجباره‏.‏

فالزُبَيدي وطائفة نفوا ‏[‏الجبر‏]‏ وكان مفهومه عندهم هذا‏.‏

وأما الأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، فكرهوا أن يقال‏:‏ ‏[‏جبر‏]‏، وأن يقال‏:‏ ‏[‏لم يجبر‏]‏؛ لأن ‏[‏الجبر‏]‏ قد يراد به الإكراه، والله لا يكره أحدًا‏.‏

وقد يراد به أنه خالق الإرادة، كما قال محمد بن كعب‏:‏ الجبار هو الذي جبر العباد على ما أراد‏.‏ و‏[‏الجبر‏]‏ بهذا المعنى صحيح‏.‏

وقول مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏قَدَّرَ فَهَدَى‏}‏ هدى الإنسان للسعادة والشقاوة، يبين أن هذا عنده مما دخل في قوله‏:‏ ‏{‏قَدَّرَ فَهَدَى‏}‏ ، / أي‏:‏ هدى السعداء إلى السعادة التي قدرها، وهدى الأشقياء إلى الشقاء الذي قدره‏.‏

وهكذا قال مجاهد في قوله‏:‏‏{‏إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 3‏]‏، قال‏:‏ السعادة والشقاوة‏.‏

وقال عكرمة‏:‏ سبيل الهدى‏.‏ رواهما عبد بن حميد‏.‏

وكذلك روى ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ‏}‏ ‏[‏البلد‏:‏ 10‏]‏، قال‏:‏ الشقاوة والسعادة‏.‏

وقد قال هو وجماهير السلف‏:‏ ‏{‏وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ‏}‏ ، أي‏:‏ الخير والشر‏.‏ رواه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود‏.‏ ثم قال‏:‏ وروى عن على بن أبي طالب، وابن عباس في إحدى‏.‏‏.‏‏.‏ وشقيق بن سلمة، وأبي صالح، ومجاهد، والحسن، ومحمد بن كعب، وعكرمة، وشُرَحْبيل بن سعيد، وابن سِنَان الرازى، والضحاك، وعَطَاء الخُرَاسَانى، وعمرو ابن قيس الملاُئى، نحو ذلك‏.‏

وروى عن محمد بن كعب القُرَظى قال‏:‏ الحق والباطل‏.‏

/ وهذا كلام مجمل فيه ما هو متفق عليه، وهو أنه يبين للناس ما أرسله من الرسل، ونصبه من الدلائل والآيات، وأعطاهم من العقول ـ طريق الخير والشر ـ كما في قوله‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 17‏]‏‏.‏

وأما إدخال الهدى الذي هو الإلهام في ذلك، بمعنى أنه هدى المؤمن إلى أن يؤمن ويعمل صالحًا إلى أن يسعد بذلك،وهدى الكافر إلى ما يعمله إلى أن يشقى بذلك، فهذا منهم من يدخله في الآية، كمجاهد وغيره ويدخله في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 3‏]‏ ‏.‏وعكرمة وغيره يخرجون ذلك عن معنى هذه الآية وإن كانوا مقرين بالقدر‏.‏

ومن قال‏:‏ ‏(‏هَدَى‏)‏، بمعنى بَيَّن فقط، فقد هدى كل عبد إلى نُجُد الخير والشر جميعًا، أي بَيَّن له طريق الخير والشر‏.‏

ومن أدخل في ذلك السعادة والشقاوة يقول‏:‏ في هذا تقسيم، أى‏:‏ هذه الهداية عامة مشتركة، وخص المؤمن بهداية إلى نَجْد الخير، وخص الكافر بهداية إلى نَجْد الشر‏.‏

ومن لم يدخل ذلك في الآية قد يحتجون بحديث من مراسيل الحسن قال‏:‏ ذُكِر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول‏:‏ ‏(‏يأيها الناس، إنما هما النّجْدان؛ نجد الخير، ونجد الشر‏.‏ فما يجعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير‏؟‏‏)‏‏.‏

/ ويحتجون بأن إلهام الفاجر طريق الفجور لم يسمه هدىً، بل سماه ضلالا، والله امتن بأنه هُدًى‏.‏

وقد يجيب الآخر بأن يقول‏:‏ هو لا يدخل في الهدى المطلق، لكن يدخل في الهدى المقيد، كقوله‏:‏ ‏{‏فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 23‏]‏، وكما في لفظ البشارة، قال‏:‏ ‏{‏فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 21‏]‏، ولفظ الإيمان فقال‏:‏ ‏{‏يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 51‏]‏‏.‏

وهذان القولان في قوله‏:‏ ‏{‏فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا‏}‏ ‏[‏الشمس‏:‏ 8‏]‏ قيل‏:‏ هو البيان العام، وقيل‏:‏ بل ألهم الفاجر الفجور والتقى التقوى‏.‏

وهذا في تلك الآية أظهر، لأن الإلهام استعماله مشهور في إلهام القلوب، لا في التبين الظاهر الذي تقوم به الحجة‏.‏

وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم حصينًا الخُزَاعى ‏[‏هو حصين بن عبيد، والد عمران بن حصين الخزاعى، روى عنه ابنه عمران بن حصين حديثًا مرفوعًا في إسلامه، وفي الدعاء‏]‏ لما أسلم أن يقول‏:‏ ‏(‏اللهم، ألهمني رشدي، وقني شر نفسي‏)‏‏.‏ ولو كان الإلهام بمعنى البيان الظاهرلكان هذا حاصلا للمسلم والكافر‏.‏

قال ابن عطية‏:‏ و‏{‏سوّى‏}‏ معناه عدل وأتقن حتى صارت الأمور مستوية، دالة على قدرته ووحدانيته‏.‏

وقرأ جمهور القراء ‏{‏قدَّر‏}‏ بتشديد الدال، فيحتمل أن يكون / من القَدَر والقضاء، ويحتمل أن يكون من التقدير والموازنة بين الأشياء‏.‏

قلت‏:‏ هما متلازمان؛ لأن التقدير الأول يسمى تقديرًا؛ لأن ما يجرى بعد ذلك يجرى على قدره، فهو موازن له ومعادل له‏.‏

قال‏:‏ وقرأ الكِسَائي وحده بتخفيف الدال، فيحتمل أن يكون بمعنى القدرة‏.‏ ويحتمل أن يكون من التقدير والموازنة‏.‏

قلت‏:‏ وهذا قول الأكثرين؛ أنهما بمعنى واحد‏.‏

قال ابن عطية‏:‏ وقوله ‏{‏فهدى‏}‏ ، عام لوجوه الهدايات في الإنسان والحيوان‏.‏ وقد خصص بعض المفسرين أشياء من الهدايات، فقال الفرَّاء‏:‏ معناه هدى وأضل، واكتفي بالواحد لدلالتها على الأخرى‏.‏ قال، وقال مقاتل، والكلبي‏:‏ هدى إلى وطء الذكور للإناث‏.‏ وقيل‏:‏ هدى المولود عند وضعه إلى مَصِّ الثدي‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ هدى الناس للخير والشر، والبهائم للمراتع‏.‏

قال ابن عطية ‏:‏ وهذه الأقوال مثالات ، والعموم في الآية أصوب في كل تقدير وفي كلهداية‏.‏

وقد ذكر أبو الفَرَجِ بن الجوزي هذه الأقوال وغيرها، فذكر / سبعة أقوال‏:‏ قَدَّر السعادة والشقاوة، وهدى للرشد والضلالة، قاله مجاهد‏.‏ وقيل‏:‏ جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها إليه، قاله عطاء‏.‏ وقيل‏:‏ قدر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج، قاله السدى‏.‏ وقيل‏:‏ قدرهم ذكرانًا وإناثًا، وهدى الذكور لإتيان الإناث، قاله مقاتل وقيل‏:‏ قدر فهدى وأضل، فحذف ‏[‏وأضل‏]‏؛ لأن في الكلام ما يدل عليه، حكاه الزَّجْاج‏.‏ وقيل‏:‏ قدر الأرزاق وهدى إلى طلبها؛ وقيل، قدر الذنوب فهدى إلى التوبة، حكاهما الثعلبي‏.‏

قلت‏:‏ القول الذي حكاه الزجاج هو قول الفَرَّاء، وهو من جنس قوله‏:‏ إن نفعت وإن لم تنفع، ومن جنس قوله‏:‏ سرابيل تقيكم الحر والبرد‏.‏ وقد تقدم ضعف مثل هذا؛ ولهذا لم يقله أحد من المفسرين‏.‏

والأقوال الصحيحة هي من باب المثالات، كما قال ابن عطية‏.‏

وهكذا كثير من تفسير السلف؛ يذكرون من النوع مثالا لينبهوا به على غيره، أو لحاجة المستمع إلى معرفته، أو لكونه هو الذي يعرفه، كما يذكرون مثل ذلك في مواضع كثيرة، كقوله‏:‏ ‏{‏سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 16‏]‏ ، وقوله‏:‏ ‏{‏وَآخَرِينَ مِنْهُمْ‏}‏ ‏[‏الجمعة‏:‏ 3‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 54‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 32‏]‏‏.‏

/ وكذلك تفسير‏:‏ ‏{‏وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏ 3‏]‏، و ‏{‏وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ‏}‏ ‏[‏البروج‏:‏ 3‏]‏، وغير ذلك‏.‏ وقوله‏:‏‏{‏وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 21‏]‏، وأمثال ذلك كثير من تفسيرهم هو من باب المثال‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ إن هذه الآية نزلت في فلان وفلان، فبهذا يمثل بمن نزلت فيه ـ نزلت فيه أولًا وكان سبب نزولها ـ لا يريدون به أنها آية مختصة به، كآية اللعان، وآية القذف، وآية المحاربة، ونحو ذلك‏.‏ لا يقول مسلم إنها مختصة بمن كان نزولها بسببه‏.‏

واللفظ العام وإن قال طائفة‏:‏ إنه يقصر على سببه فمرادهم على النوع الذي هو سببه ـ لم يريدوا بذلك أنه يقتصر على شخص واحد من ذلك النوع‏.‏

فلا يقول مسلم‏:‏ إن آية الظهار لم يدخل فيها إلا أوس بن الصامت، وآية اللعان لم يدخل فيها إلا عاصم بن عدى، أو هلال بن أمية‏:‏ وأن ذم الكفار لم يدخل فيه إلا كفار قريش؛ ونحو ذلك، مما لا يقوله مسلم ولا عاقل‏.‏

فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد عرف ـ بالاضطرار ـ من دينه أنه مبعوث إلى جميع الإنس والجن، والله تعالى خاطب بالقرآن جميع / الثقلين، كما قال‏:‏‏{‏لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏19‏]‏‏.‏ فكل من بلغه القرآن من إنسى وجنى فقد أنذره الرسول به‏.‏ والإنذار هو‏:‏ الإعلام بالمخَوف، والمخوف‏:‏ هو العذاب ينزل بمن عصى أمره ونهيه‏.‏

فقد أعلم كل من وصل إليه القرآن أنه إن لم يطعه وإلا عذبه الله تعالى، وأنه إن أطاعه أكرمه الله تعالى‏.‏

وهو قد مات، فإنما طاعته باتباع ما في القرآن مما أوجبه الله وحرمه، وكذلك ما أوجبه الرسول وحرمه بسنته‏.‏ فإن القرآن قد بين وجوب طاعته، وبيَّن أن الله أنزل عليه الكتاب والحكمة، وقال لأزواج نبيه‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 34‏]‏‏.‏

 فصـــل

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 4، 5‏]‏‏.‏

هو ـ سبحانه ـ لما ذكر قوله‏:‏ ‏{‏قَدَّرَ فَهَدَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 3‏]‏، دخل في ذلك ما قدره من أرزاق العباد والبهائم وهداهم إليها، فهدى من يأتى بها إليهم‏.‏ وذلك من تمام إنعامه على عباده، كما جاء في الأثر؛ إن الله يقول ‏:‏ / ‏(‏ إني والجن والإنس لفي نبأ عظيم؛ أخلق ويعبدون غيري، وأرزق ويشكرون سواي‏)‏‏.‏

وهذا المعنى قد روى في قوله‏:‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏82‏]‏، أي‏:‏ تجعلون شكركم وشكر ربكم التكذيب بإنعام الله، وإضافة الرزق إلى غيره كالأنواء، كما ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال‏:‏ مُطِرَ الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر قالوا‏:‏ هذه رحمة الله، وقال بعضهم‏:‏ لقد صدق نوء كذا وكذا‏)‏، قال‏:‏ فنزلت هذه الآية ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‏}‏ حتى بلغ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 75 - 82‏]‏‏.‏

وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين؛ ينزل الله الغيث فيقولون‏:‏ الكوكب كذا وكذا ‏)‏ ‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏بكوكب كذا وكذا‏)‏‏.‏

وروى ابن المنذر في تفسيره‏:‏ ثنا محمد بن على ـ يعني الصائغ ـ ثنا سعيد ـ هو ابن منصور ـ ثنا هُشَيْم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس أنه كان يقرأ‏:‏ ‏(‏وتجعلون شكركم أنكم تكذبون‏)‏ ، / يعني‏:‏ الأنواء‏.‏ وما مطر قوم إلا أصبح بعضهم كافرًا، وكانوا يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا، فأنزل الله‏:‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏28‏]‏‏.‏

وروى ابن أبي حاتم، عن عطاء الخُرَاسَانى، عن عِكْرمة، في قول الله‏:‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ ، قال‏:‏ تجعلون رزقكم من عند غير الله تكذيبًا، وشكرًا لغيره‏.‏

لكن قوله‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏4‏]‏، خص به إخراج المرعى، وهو ما ترعاه الدواب، وذكر أنه جعله غثاء أحوى، وهذا فيه ذكر أقوات البهائم، لكن أقوات الآدميين أجل من ذلك، وقد دخلت هي وأقوات البهائم في قوله‏:‏ ‏{‏قَدَّرَ فَهَدَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 3‏]‏‏.‏

وأيضًا، فالذي يصير غثاء أحوى لم تقتت به البهائم، وإنما تقتات به قبل ذلك‏.‏ فهو ـ والله أعلم ـ خص هذا بالذكر لأنه مثل الحياة الدنيا‏.‏

إذ كانت هذه السورة تضمنت أصول الإيمان؛ الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالرسل والكتب التي جاؤوا بها، وذلك يتضمن الإيمان بالملائكة‏.‏ وفيها العمل الصالح الذي ينفع في الآخرة، والفاسد الذي يضر فيها‏.‏

/ فذكر ـ سبحانه ـ المرعى ما ذكره من الخلق والهدى ليبين مآل بعض المخلوقات، وأن الدنيا، هذا مثلها‏.‏

وقد ذكر الله ذلك في الكهف، ويونس، والحديد‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 45‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 24، 25‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 20‏]‏‏.‏

وقد جعل إهلاك المهلكين حصادًا لهم، فقال‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 100‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ‏}‏ ‏[‏التين‏:‏ 4 - 6‏]‏‏.‏

فقوله‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 4، 5‏]‏، هو مثل للحياة الدنيا، وعاقبة الكفار، ومن اغتر بالدنيا، فإنهم يكونون في نعيم وزينة وسعادة، ثم يصيرون إلى شقاء في الدنيا والآخرة، كالمرعى الذي جعله غثاء أحوى‏.‏